بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل عاشوراء وأحداثه
أولا: فضائل عاشوراء
1- ما هو يوم
عاشوراء؟
قال الترمذي: عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r
بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمُ الْعَاشِرِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي يَوْمِ
عَاشُورَاءَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ التَّاسِعِ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ
الْعَاشِرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: صُومُوا التَّاسِعَ
وَالْعَاشِرَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ. وَبِهذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ. انتهى.
2- صامه نوح
ومن ومعه بعد الطوفان:
قال القرطبي في
تفسير الآية 44 من سورة هود: الجودي
جبل بقرب الْمَوْصل. استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء. فصامه نوح وأمر
جميع من معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه شكرا لله تعالى. وقد
تقدم هذا المعنى. وقيل: كان ذلك يوم الجمعة. اهـ.
3- صوم قريش
وأهل الجاهلية عاشوراء في الجاهلية:
4- صوم عاشوراء
قبل فرض رمضان:
أ) حَدِيثُ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ r يَصُومُهُ. فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ،
وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ
صَامَهُ. وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. متفق عليه.
ب) حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا
يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ r
صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ. فَلَمَّا افْتُرِضَ
رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ. فَمَنْ شَاءَ
صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. متفق عليه.
ج) حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللهِ وَهُوَ
يَتَغَدَّى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اُدْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَالَ:
أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ
عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ
r يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ. فَلَمَّا
نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ. متفق عليه.
5- عدم وجوب صوم
عاشوراء:
أ) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ
أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ،
يَعْنِي: فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا. خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: أَيْنَ
عُلَمَاؤُكُمْ، يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ لِهذَا الْيَوْمِ: هذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَلَمْ
يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ. وَأَنَا صَائِمٌ. فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ
أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ. متفق عليه.
ب) حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ
الأَكْوَعِ t قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ r
رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي
النَّاسِ: مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ. وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ
صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ. متفق عليه.
6- فَضْلُ صَوْمِ
عَاشُوْرَاءَ:
* اِهْتِمَامُ النَّبِيِّ r بِهِ:
أ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ
صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هذَا
الْيَوْمَ، وَلا شَهْرًا إِلا هذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي رَمَضَانَ. متفق عليه.
ب) عَنْ حَفْصَةَ رضي الله
عنها قَالَتْ: أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ r:
صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ،
وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. رواه النسائي.
* تَكْفِيْرُ السَّنَةِ
الْمَاضِيَةِ:
أ) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ t: قَالَ رَسُولُ اللهِ r:
صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي
قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ
عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. رواه مسلم واللفظ له،
وأبو داود وأحمد.
7- فضل عاشوراء
وما حدث فيه من إنجاء موسى وإغراق آل فرعون:
أ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ r
لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي: عَاشُورَاءَ.
فَقَالُوا: هذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى،
وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ. فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ. فَقَالَ: أَنَا
أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري ومسلم
وأبو داود وابن ماجه وأحمد. وهذا لفظ البخاري.
8- صوم تاسوعاء مع عاشوراء:
عن عَبْدِ
اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ r يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ،
إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ، صُمْنَا
الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r. رواه مسلم واللفظ له، وأبو داود وأحمد.
9- تصويم
الصغار عاشوراء:
حَدِيثُ
الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:
أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ r غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ
الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ. وَمَنْ كَانَ
أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. فَكُنَّا بَعْدَ ذلِكَ
نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ،
وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ.
فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ.
متفق عليه.
ثانيا: أحداث عاشوراء
الحدث الأول: استواء سفينة نوح عليه السلام على
الجودي.
قال الله :
﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ
وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ﴾ (سورة هود: 44)
قال القرطبي في
تفسير الآية 44: أي هلاكا لهم. الجودي جبل بقرب الْمَوْصل. استوت عليه في العاشر
من المحرم يوم عاشوراء. فصامه نوح وأمر جميع من معه من الناس والوحش والطير
والدواب وغيرها فصاموه شكرا لله تعالى. وقد تقدم هذا المعنى. وقيل: كان ذلك يوم
الجمعة. اهـ.
قصة نوح
من تفسير القرطبي:
* اسمه: قال الإمام
الثعالبي في كتاب العرائس: هو نوح بن لامك بن متوشلح بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل
بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام. (انظر: تهذيب الأسماء للنووي 2/132).
* إلى من أرسل؟:
أرسل
إلى أولاد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث. قال ابن عباس: وكان بطنان من ولد آدم،
أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل. وكان رجال الجبل صِبَاحا وفي النساء دمامة،
وكان نساء السهل صِباحا وفي رجالهن دمامة. فكثرت الفاحشة في أولاد قابيل. وكانوا
قد كثروا في طول الأزمان وأكثروا الفساد. فأرسل الله إليهم نوحا وهو ابن خمسين
سنة. (انظر: تهذيب الأسماء للنووي 2/132). ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى
قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (الأعراف: 59). ﴿إِنَّا
أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ
(2) أَنْ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِي (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا
جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(4) ﴾ (سورة نوح). ونوح أول الرسل إلى
الأرض بعد آدم عليهما السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات. (القرطبي)
* متى بعث؟: قال الكلبي:
بعد آدم بثمانمائة سنة.
* عمره حين
بعث:
روي عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام بعث وهو ابن أربعين (40) سنة. وقال وهب: بعث
نوح وهو ابن خمسين (50) سنة. وقال عون بن شداد: بعث نوح وهو ابن ثلثمائة وخمسين (350)
سنة.
* مدة دعوته: قال ابن عباس:
وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، كما أخبر التنزيل. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ
خَمْسِينَ عَامًا. فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: 14). ثم
عاش بعد الطوفان ستين سنة، حتى كثر الناس وفشوا.
* دعوة نوح وجواب
قومه: ﴿قَالَ
رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ
جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ
وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ
جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ
لِلَّهِ وَقَارًا(1) (13) وَقَدْ
خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا
مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي
وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا
مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ
وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا
كَثِيرًا وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)﴾ (سورة نوح (71)، جزء
29، 28 آية، مكية).
ذكر
الحافظ ابن عساكر في التاريخ له عن الحسن: أن نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل
الأرض. فذلك قوله تعالى: ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين
عاما﴾ (العنكبوت: 14). وكان قد كثرت فيهم المعاصي، وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا
كبيرا. وكان نوح يدعوهم ليلا ونهارا، سرا وعلانية. وكان صبورا حليما، ولم يلق أحد
من الأنبياء أشد مما لقي نوح. فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك وقيذا،
ويضربونه في المجالس ويطرد، وكان لا يدعو على من يصنع به، بل يدعو لهم
ويقول: رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون. فكان لا يزيدهم ذلك إلا فرارا منه،
حتي إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصبعيه في أذنيه لكيلا
يسمع شيئا من كلامه. فذلك قوله تعالى: ﴿وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم
في أذانهم واستغشوا ثيابهم﴾ (نوح: 7). وقال
مجاهد وعبيد بن عمير: كانوا يضربونه حتى يغشى عليه. فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي
فإنهم لا يعلمون. وقال ابن عباس: إن نوحا
كان يضرب، ثم يلف في لَبَدٍ (صُوْف)، فيلقى في بيته يرون أنه قد مات. ثم يخرج
فيدعوهم، حتى إذا يئس من إيمان قومه، جاءه رجل معه ابنه وهو يتوكأ على عصا. فقال:
يا بني، انظر هذا الشيخ، لا يغرنك. قال: يا أبت، أمكني من العصا. فأمكنه فأخذ
العصا، ثم قال: ضعني في الأرض فوضعه. فمشى إليه بالعصا فضربه، فشجه شجة مُوْضِحَة (كاشطة
أي: مُزِيْلة عن العظم) في رأسه، وسالت الدماء. فقال نوح: رب، قد ترى ما يفعل بي
عبادك. فإن يك لك في عبادك خيرية فاهدهم. وإن يك غير ذلك، فصبرني إلى أن تحكم،
وأنت خير الحاكمين.
* وحي الله
إليه بعدم إيمان قومه: فأوحى الله إليه وآيسه من إيمان قومه. وأخبره أنه
لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن. وقال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ
أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ
بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (هود: 36) أي: لا تحزن عليهم.
* دعاء نوح: ﴿وَقَالَ نُوحٌ
رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ
تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) ﴾ (نوح)
* صنع الفلك: ﴿وَاصْنَعِ
الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا
إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ
مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا
نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ
عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ (39) ﴿واصنع الفلك بأعيننا
ووحينا﴾ قال: يا رب وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر. قال: فغرس الساج (jati) عشرين سنة.
وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء. وكانوا يسخرون منه. فلما أدرك الشجر، أمره ربه
فقطعها وجففها. فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاثة صور: رأسه
كرأس الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك. واجعلها مطبقة. واجعل لها
أبوابا في جنبها، وشدها بدُسُرٍ، يعني مسامير الحديد. وبعث الله جبريل فعلمه صنعة
السفينة، وجعلت يده لا تخطئ. قال ابن عباس: كانت دار نوح عليه السلام دمشق. وأنشأ
سفينته من خشب لبنان بين زمزم وبين الركن والمقام).
* ما في الفلك:
﴿فَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي
فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ (المؤمنون: 27). فلما كملت،
حمل فيها السباع والدواب في الباب الأول. وجعل الوحش والطير في الباب الثاني،
وأطبق عليهما. وجعل أولاد آدم أربعين رجلا وأربعين امرأة في الباب الأعلى وأطبق
عليهم. وجعل الذَّرَّ معه في الباب الأعلى لضعفها ألا تطأها الدواب.
قال
الزهري: إن الله عز وجل بعث ريحا، فحمل إليه من كلٍ زوجين اثنين من السباع والطير
والوحش والبهائم. وقال جعفر بن محمد: بعث الله جبريل فحشرهم. فجعل يضرب بيديه على
الزوجين، فتقع يده اليمنى على الذكر، واليسرى على الأنثى، فيدخله السفينة. وقال
زيد بن ثابت: استصعبت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة، فدفعها بيده في ذنبها. فمن
ثم انكسر ذنبها فصار معقوفا، وبدا حياؤها. ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها،
فستر حياؤها.
قال
إسحاق: أخبرنا رجل من أهل العلم أن نوحا حمل أهل السفينة. وجعل فيها من كلٍ زوجين
اثنين. وحمل من الهدهد زوجين. فماتت الهدهدة في السفينة قبل أن تظهر الأرض. فحملها
الهدهد فطاف بها الدنيا ليصيب لها مكانا. فلم يجد طينا ولا ترابا، فرحمه ربه فحفر
لها في قفاه قبرا فدفنها فيه. فذلك الريش الناتئ في قفا الهدهد موضع القبر. فلذلك
نتأت أقفية الهداهد. وقال رسول الله r:
كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر. وكانت العجوة من الجنة مع نوح فى
السفينة.
وذكر
صاحب كتاب العروس وغيره: أن نوحا عليه السلام لما أراد أن يبعث من يأتيه بخبر
الأرض، قال الدجاج: أنا. فأخذها وختم على جناحها. وقال لها: أنت مختومة بخاتمي، لا
تطيري أبدا. أنت ينتفع بك أمتي. فبعث الغراب، فأصاب جيفة فوقع عليها، فاحتبس فلعنه.
ولذلك يقتل في الحل والحرم، ودعا عليه بالخوف. فلذلك لا يألف البيوت. وبعث الحمامة،
فلم تجد قرارا. فوقعت على شجرة بأرض سيناء، فحملت ورقة زيتونة، ورجعت إلى نوح.
فعلم أنها لم تستمكن من الأرض. ثم بعثها بعد ذلك. فطارت حتى وقعت بوادي الحرم. فإذا
الماء قد نضب من مواضع الكعبة. وكانت طينتها حمراء، فاختضبت رجلاها. ثم جاءت إلى
نوح عليه السلام فقالت: بشراي منك أن تهب لي الطوق في عنقي، والخضاب في رجلي، وأسكن
الحرم. فمسح يده على عنقها وطوقها، ووهب لها الحمرة في رجليها، ودعا لها ولذريتها
بالبركة. وذكر الثعلبي أنه بعث بعد الغراب التدرج، وكان من جنس الدجاج. وقال: إياك
أن تعتذر. فأصاب الخضرة والفرجة فلم يرجع. وأخذ أولاده عنده رهنا إلى يوم القيامة.
* إهلاك قوم
نوح: ﴿مِمَّا
خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ (نوح: 25). ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ
كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ
مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43)
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ
وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ
أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ
يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا
تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ
الْجَاهِلِينَ (46) (سورة هود، رقم 12، جزء 12، ص225 - 227)
* استواء الفلك
على الجودي: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ
بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (سورة هود: 44) الجودي جبل بقرب الْمَوْصل.
وقد قيل: إن الجودي اسم لكل جبل. ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، فلهذا استوت
عليه. استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء. فصامه نوح وأمر جميع من
معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه شكرا لله تعالى. وقد تقدم هذا
المعنى. وقيل: كان ذلك يوم الجمعة. اهـ. وروي
أن الله تعالى أوحى إلى الجبال أن السفينة ترسي على واحد منها فتطاولت. وبقي
الجودي لم يتطاول تواضعا لله. فاستوت السفينة عليه وبقيت عليه أعوادها. وفي الحديث
أن النبي r قال: لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة. وقال مجاهد: تشامخت
الجبال وتطاولت لئلا ينالها الغرق. فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعا، وتطامن
الجودي وتواضع لأمر الله تعالى فلم يغرق، ورست السفينة عليه. ويقال: أكرم الله ثلاثة
جبال بثلاثة نفر: الجودي بنوح، وطور سيناء بموسى، وحراء بمحمد صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين.
* الناس من ذرية نوح: وفي كثير من كتب الحديث من
سنن الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام. وذكر النقاش عن
سليمان بن أرقم عن الزهري أن:
1. العرب وفارس والروم
وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سام بن نوح.
2. والسند والهند والزنج
والحبشة والزط والنوبة وكل جلد أسود من ولد حام بن نوح.
3. والترك وبربر ووراء
الصين ويأجوج ومأجوج والصقالبة كلهم من ولد يافث بن نوح. والخلق كلهم ذرية نوح.
انتهى كلام القرطبي.
* من دروسها:
1- قدرة الله فوق كل قدرة: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ
فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام: 18)
2- الهداية من الله تعالى:
أ) ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا
عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم:
10)
ب) ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ
فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ، وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ: يَا بُنَيَّ
ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ. قَالَ: لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ
مَنْ رَحِمَ. وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ، فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ:
يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ، وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي. وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ
الأَمْرُ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ. وَقِيلَ: بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ
أَهْلِي، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ:
يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ. فَلاَ
تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ (46)﴾ (سورة هود)
3- طريق الدعوة شاق صعب
فيه بلاء عظيم.
الحدث الثاني: نجاة موسى عليه السلام.
* عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ r
لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي: عَاشُورَاءَ.
فَقَالُوا: هذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى،
وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ. فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ. فَقَالَ: أَنَا
أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري ومسلم
وأبو داود وابن ماجه وأحمد. وهذا لفظ البخاري.
* اسم موسى: موسى بن عمران
بن يصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
* تذكير الله
بني إسرايل بهذه النعمة: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا
بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ
تَنظُرُونَ (50)﴾ (سورة البقرة)
* يأس موسى من
إيمان فرعون ودعاؤه عليهم: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا
لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ {أي: امسخها} وَاشْدُدْ
عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ (يونس:
88)
* ما حدث قبيل
الإغراق:
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ
طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)﴾ (سورة
طه) وقال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ
مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ
هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ {طائفة} قَلِيلُونَ {قيل: كانوا 670 ألفا، ومقدمة جيش
فرعون 700 ألف فقللهم بالنظر إلى كثرة جيشه- الجلالين} (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا
لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {متيقظون} (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ
مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ
وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا
تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ
كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ
اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى
وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)﴾ (سورة الشعراء).
* إيمان فرعون
ولا ينفعه وإنجاء بدنه: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ
الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو
إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ
لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا
لَغَافِلُونَ (92)﴾ (سورة طه) في عاشوراء المحرم، كما في حديث صوم عاشوراء.
* تتمة: السحرة
مع موسى:
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ
أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ
الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ
لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ
إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ
مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ
فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا
هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {أي: تبتلع ما يقلبون بتمويههم- الجلالين} (45) فَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ
مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ
لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
(49) قَالُوا لَا ضَيْرَ {لا ضرر علينا في ذلك} إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا
أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)﴾ (سورة الشعراء).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
جمعه الفقير إلى رحمة الله تعالى ورضوانه
وغفرانه: أبو عبد الودود بن عبد الوهاب،
يوم الثلاثاء، 6 جمادى الآخرة 1442هـ = 19
يناير 2021 م